الثورة الفرنسية (بالفرنسية: Révolution
française) التي اندلعت عام 1789 وامتدت حتى 1799، كانت فترة من الاضطرابات
الاجتماعية والسياسية في فرنسا التي أثرت بشكل بالغ العمق على فرنسا وجميع
أوروبا. انهار خلالها النظام الملكي المطلق الذي كان قد حكم فرنسا لعدة
قرون في غضون ثلاث سنوات. وخضع المجتمع الفرنسي لعملية تحوّل مع إلغاء
الامتيازات الإقطاعية والأرستقراطية والدينية وبروز الجماعات السياسيّة
اليساريّة الراديكالية إلى جانب بروز دور عموم الجماهير وفلاحي الريف في
تحديد مصير المجتمع. كما تم خلالها رفع ما عرف باسم مبادئ التنوير وهي
المساواة في الحقوق والمواطنة والحرية ومحو الأفكار السائدة عن التقاليد
والتسلسل الهرمي والطبقة الأرستقراطية والسلطتين الملكية والدينية.
بدأت الثورة الفرنسية في عام 1789 وشهدت السنة الأولى من الثورة القسم في
شهر يونيو والهجوم على سجن الباستيل في يوليو وصدور إعلان حقوق الإنسان
والمواطنة في أغسطس والمسيرة الكبرى نحو البلاط الملكي في فرساي خلال شهر
أكتوبر مع اتهام النظام الملكي اليميني بمحاولة إحباط إصلاحات رئيسيّة. تم
إعلان النظام الجمهوري في سبتمبر 1792 وأعدم الملك لويس السادس عشر في
العام التالي. كانت التهديدات الخارجية قد لعبت دورًا هامًا في تطور
الأحداث، إذ ساهمت انتصارات الجيوش الفرنسي في إيطاليا والمناطق الفقيرة
المنخفضة الدخل غرب نهر الراين في رفع شعبية النظام الجمهوري كبديل عن
النظام الملكي الذي فشل في السيطرة على هذه المناطق التي شكلت تحديًا
للحكومات الفرنسية السابقة لعدة قرون. رغم ذلك، فإن نوعًا من الديكتاتورية
شاب الثورة في بدايتها، فقد قضى بين 16,000 إلى 40,000 مواطن فرنسي في
الفترة الممتدة بين 1793 و1794 على يد "لجنة السلامة العامة" إثر سيطرة
روبسيبر على السلطة. في عام 1799 وصل نابليون الأول إلى السلطة وأعقب ذلك
إعادة النظام الملكي تحت إمرته وعودة الاستقرار إلى فرنسا. استمر عودة
الحكم الملكي واستبداله بنظام جمهوري لفترات ممتدة خلال القرن التاسع عشر،
بعد خلع نابليون قامت الجمهورية الثانية (1848-1852) تلتها عودة الملكية
(1852-1870).
امتدت تأثير الثورة الفرنسية في أوروبا والعالم، بنمو الجمهوريات
والديمقراطيات الليبرالية وانتشار العلمانية وتطوير عدد من الأيدلوجيات
المعاصرة.
الأسباب
يكاد يجمع المؤرخون أن تركيبة النظام الملكي الفرنسي نفسها أبرز سبب من
أسباب الثورة. الأسباب بشكل أساسي هي اقتصادية، إذ كان الجوع وسوء التغذية
منتشرًا بين الفئات الفقيرة في فرنسا مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية
كالخبز مع ارتفاع أسعار المحاصيل نتيجة الكوارث الطبيعية والعوامل الجويّة
إلى جانب نظام وسائل النقل غير الكافية التي كانت تعيق نقل القمح من
المناطق الريفية إلى المراكز السكانية الكبيرة، إلى حد زعزع لدرجة كبيرة
استقرار المجتمع الفرنسي في السنوات التي سبقت الثورة. من القضايا
الاقتصادية الأخرى كان إفلاس الدولة بسبب التكلفة الكبيرة للحروب السابقة،
سيّما بعد مشاركة فرنسا في حرب الاستقلال الإمريكية، مع ارتفاع الدين العام
الذي تراوح بين 1000-2000 مليون إلى جانب الأعباء الاجتماعية الناجمة عن
الحرب وفقدان فرنسا ممتلكاتها الاستعمارية في أمريكا الشمالية وتزايد هيمنة
بريطانيا التجارية. كما أن النظام المالي الفرنسي قد وصف بالبالي وغير
الفعال وغير القادر على إدارة الديون الوطنية وتسديد أقساط القروض التي
كفلتها الحكومة.
أمام هذه النوائب الاقتصادية كانت ينظر إلى الديوان الملكي في فرساي أنه
منعزل وغير مبال بالطبقات الدنيا من الشعب. إلى جانب كون الملك لويس السادس
عشر ملكًا مطلقًا ذو صلاحيات واسعة، وقيل عنه في كثير من الأحيان أنه غير
حاسم ومعروف بتراجعه عن قراراته في حال واجه معارضة قوية، إلى جانب أنه لم
يخفض النفقات الحكومية واستطاع البرلمان إحباط محاولات الكثير من القوانين
الإصلاحية اللازمة. في غضون ذلك، كان معارضو حكم لويس السادس عشر يوزعون
مناشير سريّة حملت في كثير من الأحيان معلومات مبالغ فيها تنتقد فيها
الحكومة وإدارته وساهمت في إثارة الرأي العام ضد النظام الملكي.
العديد من العوامل الأخرى، يمكن النظر إليها أنها سبب في اندلاع الثورة،
مثل الرغبة في القضاء على الحكم المطلق، والاستياء من الامتيازات الممنوحة
للإقطاع وطبقة النبلاء، والاستياء من تأثير الكنيسة على السياسة العامة
والمؤسسات، والتطلع نحو الحرية الدينية والتخلص من الأرستقراطية الدينية،
وتحقيق المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية سيّما مع تقدم الثورة
للمطالبة بنظام جمهوري. أيضًا فإن الملكة ماري أنطوانيت يعتبرها البعض من
أسباب الثورة، إذ نظر إليها الفرنسيون واتهموها - زورًا في أغلب الأحيان -
بأنها جاسوسة النمسا ومبذرة وسبب اغتيال وزير المالية الذي كان محبوبًا من
قبل الشعب.
دامت الثورة الفرنسية عشر سنوات، ومرت عبر ثلاث مراحل أساسية:
المرحلة الأولى (يوليو 1789 - اغسطس 1792)، فترة الملكية الدستورية: تميزت
هذه المرحلة بقيام ممثلي الهيئة الثالثة بتأسيس الجمعية الوطنية واحتلال
سجن الباستيل، وإلغاء الحقوق الفيودالية، وإصدار بيان حقوق الإنسان ووضع
أول دستور للبلاد.
المرحلة الثانية (اغسطس 1792 - يوليو 1794)، فترة بداية النظام الجمهوري
وتصاعد التيار الثوري حيث تم إعدام الملك وإقامة نظام جمهوري متشدد.
المرحلة الثالثة، (يوليو 1794 – نوفمبر 1799)، فترة تراجع التيار الثوري
وعودة البورجوازية المعتدلة التي سيطرت على الحكم ووضعت دستورا جديدا
وتحالفت مع الجيش، كما شجعت الضابط نابليون بونابارت للقيام بانقلاب عسكري
ووضع حدا للثورة وإقامة نظاما ديكتاتوريا توسعيا.
النتائج السياسية: عوض النظام الجمهوري الملكية المطلقة، وأقر فصل السلطات وفصل الدين عن الدولة والمساواة وحرية التعبير.
النتائج الاقتصادية: تم القضاء على النظام القديم، وفتح المجال لتطور
النظام الرأسمالي وتحرير الاقتصاد من رقابة الدولة وحذف الحواجز الجمركية
الداخلية، واعتماد المكاييل الجديدة والمقاييس الموحدة.
النتائج الاجتماعية: تم إلغاء الحقوق الفيودالية وامتيازات النبلاء ورجال
الدين ومصادرة أملاك الكنيسة كما أقرت الثورة مبدأ مجانية وإجبارية التعليم
والعدالة الاجتماعية وتوحيد وتعميم اللغة الفرنسية.